هدى محمد رحمة
حبيبة القلب، كما كنت أراسلك، أخذتُ وقتًا كي أستطيع الكتابة عنكِ، لكن المناسبة فرضت نفسها، ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام، والحنين الذي يوقده ارتباطك بالمناسبة.
رحلتِ عن الدنيا بقلبٍ مطمئن، بهدوءٍ وسكون، بفرحٍ وأنتِ تعلمين من سيستقبلكِ هناك، كوكبة شهداء! هم أقرب الأقربين، أخ سند وعضد، زوج شريك ورفيق عمر، لكنه لم يكمل العمر معك، فقد أيتم العيال كي يلاقي وجه الله مخضباً بدمه، وترك لكِ أمانته، طفلين وطفلة، أصغرهم "علي". وأنتِ، حملتِ الأمانة بكل حبٍ ورضا وتسليم، لتصنعي من فلذتكما "علي" شهيدًا. وتكتمل كوكبة الشهداء، عضد، ورفيق، وفلذة كبد وروح. وبعدها، تلاقي الله أنتِ بعينٍ واحدة، فأنتِ أيضًا جريحة قصفٍ إسرائيلي من مرحلة ما قبل التحرير، وحينها فقدتي أختك مريم شهيدة هذا القصف على منزلكم في يحمر الشقيف، بلدة العطاء والشهداء.
زرتها بعد شهادة صغيرها علي، من ثلة شهداء غارة القنيطرة (18-1-2015)، خيرة الشبان وفخرهم، كان بيتها ساكن وهادىء، يشبهها، كنا لوحدنا، على هدوئها ووقارها، وبعد شهادة إبنها تنساب منها الأفكار بكل سلاسة وصلابة، توصل ما تريد إيصاله. أبرز ما رشح في ذهني من تلك الزيارة هو غيرة "علي" حتى على أمه، لم تكن ترى رفاقه حين زيارتهم له. وهي، تشبه "علي" لأقصى الحدود، خَبِرتُها لاحقًا، في عدة مواقف، لا تساوم ولا تتهاون، تيقنت أنها الأصل، و"علي" الشهيد، زرعها وحصادها.
دخلنا غرفة علي، تلف سريره راية العز، الراية التي لُفَّ نعشه بها، لا أستطيع وصف مضامين مشاعري ونحن في غرفة علي، وأنا كإني أمام ضريحه! وهي، بكل ثباتٍ ووقار تكمل حديثها، من أمام سريره الفارغ إلا من عطر علي وذكرياته وراية شهادته.
هي تحب المرأة الناشطة الفاعلة، وهي ممتنة لمؤسسة الشهيد، تغار على انتمائها، ولا تقبل بأن يمسه أحد.
وبعد هذه الزيارة، توالت الصدف التي جمعتنا، وفي بالي دائمًا جملة قالها سماحة السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته "في الحياة لا يوجد صُدف، هي توفيق مدبر من الله." كنا نلتقي في مختلف شوارع الضاحية، ومفي مجالس ذكرى الشهداء، نتشارك بسمة الفرح باللقاء، ونخوض في حديثٍ ما.
لنعود ونلتقي في زيارة الأربعين من العام 2018، في مضيفٍ لبناني، لنتشارك الإستراحة من مشيِنا على درب المشاية، ونتحدث كما لو كنا قبل يومٍ واحد سويًا.
هكذا هي، تدخل القلب وتستقر فيه، ولا حاجة لاستئذان في مراتٍ مقبلة، فالقلب أحبها، ويفرح بلقائها. لنعود ونلتقي فجر اليوم التالي وقبل أن يطلع الضوء، كانت تكمل مشيها إلى كربلاء الحسين عليه السلام، مواسيةً سبايا بني هاشم اللواتي فقدن الأب والأخ والزوج والإبن، ولا عمر يوقفها من الإستمرار في المشي، ولا تعب يوهن عزيمتها.
وفي العام التالي، عام 2019 كانت هي، رفيقة درب الحسين عليه السلام، تشاركنا المسيروالخطوات، والصلاة وشرب الماء، والإستراحة في الخيم والمضائف، والأحاديث التي تهمنا، وتؤنسنا، وتجمعنا. مع فارق العمر بيننا لكن الهمة في السير كانت نفسها، مع سر أنها هي من كانت دون أن تشعر تزيد من عزمي على السير وعدم ذبول الهمة، نشيطة هي، مدركة هي لكل جوانب ومضامين السيروالمواساة، في الخيم عند استراحتنا تجلس على الأرض في أي خيمة كانت، وللمضيافين على جوانب الطرقات، تتقصد تناول الشراب والطعام على حب الحسين عليه السلام. كثيرة هي تفاصيل رحلة السير، وبكُلِّها جميلة، منها ما يُحَسُّ ولا يُكتب أو يوصف، وعند وصولنا إلى كربلاء، إلى مسافة قريبة من المقامين الشريفين، كان وداعنا الباسم، رافقها نظري بعد وداعنا وهي في عباءتها الزينبية شكلاً وفعلاً وعطاءً وصبرًا جميلًا.
الحاجة الجريحة عبلة اسماعيل عليق/ أم مصطفى 2021
إبنة أخت الشهيدين جودت ورفعت عليق/ 1983-1985
زوجة الشهيد حسن علي ابراهيم / 1994
أخت الشهيد علي اسماعيل عليق/ 1995
أم الشهيد علي حسن ابراهيم / 2015