المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

أهمية الجبهة اللبنانية في معارك الدفاع عن غزة

(تحليل في الاستراتيجية العسكرية والمبدأ التشغيلي)
يوسف الشيخ
بعد أسبوع من إنهاء مناورات "عربات النار" نهاية أيار/ مايو 2022، والتي استمرت شهراً أسمته القيادة العسكرية الصهيونية بشهر الحرب، تلقى الجنرال احتياط إسحق بريك قائد سلاح المدرعات الصهيوني السابق (2009-2018) رسالة من قادة كتائب نخبوية في ألوية الفرقة 98 المظلية (التي تشارك اليوم في الحرب على غزة في قاطع العمليات الجنوبي)، عبّروا فيها عن خشيتهم من تداعيات المواجهة المقبلة، في ظل انعدام الجاهزية والاختلاف الجوهري بين التقارير التي يكتبها قادة الجيش عن التدريبات وبين ما يحدث على ارض الواقع.

ما قرأه الجنرال بريك، كان صادماً، خاصة وأن المناورات التي شاركت فيها القيادة الوسطى الامريكية بـ 5600 جندياً كانت محاكاة حقيقية لحرب يخوضها جيش العدو، تحاكي حرباً واسعة تشمل ثلاثة من أهم أعداء الكيان المؤقت وهم (المقاومتين الفلسطينية واللبنانية وايران). تواصل بريك مع صديقه المدير التنفيذي للقناة الرابعة عشرة العبرية الحاخام مردخاي (موتي) سكلار الذي يعرف مهنية واحترافية "بريك" جيداً، وطلب بريك من سكلار ترتيب مقابلة له بشكل عاجل على القناة "المحسوبة على اليمين الديني" لأن لديه ما يقوله وهو خطير جداً، تم ترتيب الموضوع سريعاً، وأجريت المقابلة في الاسبوع الثاني من شهر حزيران/ يونيو 2022، وصف فيها الجنرال بريك ما يحدث في الجيش "الإسرائيلي" الفترة الراهنة بأنه "مرحلة الانهيار الخطير"؛ وذلك بسبب الفجوة بين التقارير التي ينقلها قادة الجيش إلى المستوى السياسي وما يحدث على الأرض، مشيراً إلى أن “هناك تراجع كبير في الجاهزية سواء من ناحية عدد المشاركين أو مستوى الأداء".

وأشار الجنرال بريك إلى الرسالة التي أرسلها ضباط وقادة كتائب الفرقة 98 وكشف ان "الرسالة احتوت على حقيقة خطيرة وهي أن غالبية الجنود التابعين للواء لم يزوروا مخزن الطوارئ الخاص بها ولا يعرفون كيف يستخدمون المعدات".

واتهم بريك قادة الجيش بتجاهل "هذه الحقيقة والاكتفاء بعرض تقارير لا تمت للحقيقة بأي صلة لاسيما وأن قادة الكتائب قاموا بإرسال نسخ عن الرسالة إلى قائد اللواء يهودا لف وإلى قائد المنطقة الجنوبية إليعزر توليدانو وإلى قائد الذراع البري تامير يدعي".
 
ما كشف عنه الجنرال بريك لم يكن صادراً عن جنرال احتياط عادي في غابة الضباط المتقاعدين ذوي الرتب الرفيعة التي تسمى  زوراً بـ "اسرائيل"، فقد تولى  بريك بعد تقاعده عام 2018  قيادة "مفوضية شكاوى الجنود"، التي تتلقى الملاحظات العامة حول الجيش ووضعه ووضع الجنود وشكاواهم الشخصية والمتعلقة بخدمتهم العسكرية، وخلال توليه هذا المنصب قام بآلاف الزيارات لكل وحدات الجيش، والتقى بعشرات آلاف الجنود، وخرج بتقرير عن أحوال الجيش يعتبر الأخطر بتاريخ الكيان المؤقت، حيث كشف أن الجيش غير جاهز للحرب، وبقي خلال السنتين اللتين تلتا معركة سيف القدس 2021 ( التي اعتبر فيها أن المقاومة الفلسطينية قد انتصرت) يحذر من سيناريو مشابه لسيناريو "طوفان الأقصى" حتى لقبه الصهاينة بـ"نبي الغضب الخطير" لأنه كان الجنرال الصهيوني الوحيد الذي توقع سيناريو مطابق لسيناريو 7-10-2023 يوم اجتاح طوفان المقاومة الفلسطينية  أمن وهيبة "إسرائيل" ومرغ سمعة الجيش الذي لا يقهر بالوحل.

وقد حذر بريك بالأسابيع الماضية في مداخلات ومقالات في الصحف الصهيونية من أن "الجيش يفتقد للجاهزية القتالية اللازمة للمناورة البرية على أرض غزة الآن". 

وأضاف بريك ـــ في مقابلة أجرتها معه منصة "جلوبز" الإخبارية الإسرائيلية ــ أنه حذر القيادة العسكرية الإسرائيلية، وكذلك حذر رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، الذي التقاه شخصيًا، من مغبة الإقدام على تنفيذ عملية عسكرية برية كبرى فى قطاع غزة.

وتابع الجنرال بريك: "الخطط العملياتية تأتي في مقدمة الجاهزية القتالية للجيوش، وعليه فإن الجيش الإسرائيلى لم يكن لديه، عند اندلاع هجمات السابع من أكتوبر على مستوطنات غلاف غزة، أي خطط عملياتية على الطاولة لشن هجوم بري كاسح على القطاع".
 
وقال بريك: "لم يدر في خلد مخططي العمليات فى جيش إسرائيل، ولا فى حساباتهم اقتحام قطاع غزة وشن عمليات عسكرية واسعة النطاق فيه على الاطلاق، وهكذا وجدوا انفسهم بعد السابع من أكتوبر فى مواجهة موقف صعب لم يعدوا له عدته على الوجه الأمثل، وبات لزامًا عليهم التعامل معه ومن ثم جاءت ردة فعل القوات الإسرائيلية مرتبكة وغير محسوبة فكانت خسائرها فادحة".

وكشف بريك أنه هو صاحب فكرة تأجيل الغزو البري للقطاع لإعطاء فرصة لتدريب المقاتلين على قتال المدن، وهو ما وافق عليه نتنياهو، معطلاً العمليات البرية لعدة أيام لحين الانتهاء من تدريب الجنود الإسرائيليين عليه لا سيما من تم استدعاؤهم من قوات الاحتياط ممن اعتادوا منذ العام 2009 على أسلوب "تضييق الخناق وعدم التوغل".

ولفت بريك إلى أنه لا يحبذ أن تنجر إسرائيل إلى مواجهة على حدودها الشمالية وفتح جبهة مواجهة مع الجنوب اللبناني، واستطرد ان حزب الله لديه "كتائب الرضوان" التي هي أشد فتكًا وكفاءة، وعلى إسرائيل بذلك العمل سريعًا على إقامة منطقة "آمنة" بعمق 500 متر على الأقل بين حدودها الشمالية مع الجنوب اللبناني". 

نفس كلام الجنرال بريك أوضحه طال ليف رام، المحرر العسكري لصحيفة "معاريف"، حيث اعتبر أن "هناك معضلة لدى القيادة العسكرية الإسرائيلية حول فتح جبهة ثانية مع حزب الله، إذ إن من شأن ذلك أن يؤثر في اتخاذ القرارات حول تنفيذ الخطط الحربية في قطاع غزة. ولكنه في الوقت نفسه "يوجد إدراك لديها أنه ليس بالإمكان بعد الآن الاستمرار في احتواء عدوانية حزب الله من خلال الدفاع فقط، وينبغي مهاجمة الخلايا قبل أو بعد تنفيذها إطلاق نار ومهاجمة بنية تحتية لـحزب الله، وأن ثمة حاجة لتصعيد العمليات الهجومية أكثر، بحيث يدفع حزب الله ثمناً، من دون التدهور إلى تصعيد سريع يعني انتقال ساحة الحرب المركزية شمالاً ويتطلب تجميد الوضع بكل ما يتعلق بالجبهة الجنوبية مقابل حماس".

فيما جزم الكاتب السياسي "نداف أيال" بخطورة الوضع في الشمال على الجبهة اللبنانية في مقال له بصحيفة  "يديعوت أحرونوت"، قائلاً: "حسب التقدير في إسرائيل، فإن حزب الله وضع ميزان رعب لا يطاق من ناحية إسرائيل: الشمال مشلول، مُخلى وفارغ".

خطورة وأهمية الجبهات المساندة لجبهة غزة في العلم العسكري

يواجه الكيان المؤقت حالياً تحدياً قديماً جديداً، متعدد المجالات ومن المرجح أن جيش العدو الذي كان يتهرب منذ اجتياح العام 1982 من خوض أكثر من حرب  في وقت واحد أو ما تسميه المؤسسة العسكرية الصهيونية "تجنب القتال في عدة ساحات قتالية"، سواء كان هناك تقارب بينها (وهم ينسقون ويدعمون بعضهم البعض) أم لا. وكان التهرب من هكذا خيار يقوم على اختيار رد يعتمد بشكل أساسي على المفاضلة والترتيب الاستراتيجي بين الساحات والمناورة الحاسمة في كل ساحة وميدان.

منذ اجتياح العام 1982 والذي دخلت فيه العسكرية الصهيونية في شرك القتال مع قوى المقاومة التي تتبنى الحرب اللامتماثلة والهجينة، خاض جيش العدو سلسلة من نزاعات أنظمة الحلقة الواحدة القصيرة نسبياً. أكثر من مرة، خلال أنظمة الساحة الواحدة، وسعى محور المقاومة على مدى سنوات تشكله الـ 40  إلى تقسيم قوة العدو العسكرية عبر فتح جبهات أخرى ( الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية والثالثة – حرب تموز عام 1993 ونيسان عام 1996 في لبنان – حرب تموز 2006 وحروب غزة في الأعوام 2009-2012-2014-2021-2022-2023 )، لكن العدو اختار الاحتواء وتركيز الجهد في ساحة رئيسية واحدة، بدأ هذا الفهم يتشكل عند العدو بعد عملية سيف القدس عام 2021  ومنذ ذلك الحين، نفذ جيش العدو عمليتين سريعتين كبيرتين في ساحة واحدة ضد حركة الجهاد الإسلامي في غزة (عمليتي "وحدة الساحات" و"ثأرالأحرار")، ثم أتبعت بعملية ثالثة سريعة صيف هذا العام في مخيم جنين "بأس الاحرار"، كان ذلك محاولة ساذجة من العدو للتهرب من حرب الساحات المتعددة من خلال ما اصطلح على تسميته بخوض "أيام قتالية " حيث أن التقدير الاستراتيجي لقيادة العدو كان يلزمها بتجنب التحدي الجديد متعدد الأوجه وهو عودة التهديد الخطير إلى الجبهة الداخلية "الإسرائيلية". وهذا ما لفت إليه رئيس الأركان الجديد الجنرال هرسي هاليفي في خطاب تسلمه منصبه من خلفه الجنرال آفيف كوخافي حيث أشار هاليفي بأسلوب هو أقرب من الاستشراف أنه: " تعد القدرة على إدارة حملة متعددة الساحات يتم إجراؤها في كل من الدائرتين الأولى ( غزة – لبنان – سوريا)  والثالثة ( ايران – العراق – اليمن) تحديًا جديدًا نسبيًا للقيادة العليا لجيش الدفاع الإسرائيلي". 

لكن كل كوابيس الكيان المؤقت خرجت دفعة واحدة بعد 7-10-2023 حيث أن الأسلوب العسكري الذي اعتمده جيش العدو في الرد على عملية " طوفان الأقصى" فتح على كيانه "صندوق باندورا"، فمنذ اليوم الثاني دخلت جبهة لبنان وخلال أيام دخلت جبهات العراق واليمن وسوريا في حرب من نوع جديد هدفها الرئيسي كبح جماح الوحش الذي أطلق آلته العسكرية المدمرة على غزة، والأمنية على الضفة الغربية، وانغمس سريعاً بخطوات انتحارية (محاولة كسر غزة والضفة الغربية) فرضت على محور المقاومة بأجمعه وللمرة الأولى اطلاق جهد عسكري ممتد لمؤازرة ومساندة الجهد الرئيسي للمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة وحيث أن الأثر المعنوي والتراكمي للعاملين العراقي واليمني كان حاسماً فإن العامل اللبناني الذي يعتبر "فيزيائياً" الأقرب اشتباكاً مع العدو كان الجبهة التي حسمت نطاق الردع للعدو وانتزعت منه أي مبادرات للحسم. 

وهنا بيت القصيد حيث أن العملية البرية في غزة أطلقت بالأساس لاستعادة عنصري الردع والحسم المفقودين، ولم تعد المطاولات العسكرية التي ابتدأت منذ حرب تموز/ يوليو 2006 بهدف ترميم الردع واستعادة القدرة على الحسم واستمرت مع حروب غزة الستة بين عامي 2009 و 2023 دون جدوى. فإن الوحش الصهيوني الجريح والمذلول الذي أطلق ليلة 7-10-2023  دخل في مغامرة غير محسوبة تثبت الأيام أنها حملة ذات أهداف عسكرية تعبوية وليس استراتيجية. 

لقد فرض الإيقاع المقاوم على العدو العمل بخلاف ما تمليه مدارس الحرب، فلقد شن جيشه على غزة حرباً أقل ما تعتبر في العلم العسكري بأنها أعمال مداهمة عسكرية لعدو خفي تتواكب مع توحش عسكري جوي شامل ضد بيئة المقاومة المدنية الحاضنة، وليست كما يصفها الخبراء بأنها حرب مدمجة بين الحرب "البر- جوية" والحرب وفق "عقيدة الضاحية" مع تظليلها أو تلفيقها بحرب "الصدمة والرعب".

فللحرب " البر- الجوية " شروطها التي حاول الجنرال طيار دان حالوتس رئيس اركان جيش العدو السابق تطبيقها خلال حرب تموز/ يوليو 2006 ولم يستطع ذلك خلال 33 يوماً. واعترف بعدها بفشله وفشل نظريته التي كانت تعتمد على خطة "العُقاب والأفعى" ابتكرها عام 1995 رئيس استخباراته العسكرية الجنرال عاموس يدلين وهو ضابط طيار أيضاً وطبقت خلال حرب نيسان/ أبريل 1996 دون فائدة أو جدوى. 

إن هذه الخلطة الغريبة من مدارس وطرائق القتال التي يطبقها العدو في ميادين غزة بشكل رئيسي ولبنان بشكل نسبي ( الحرب البر- جوية – حرب عقيدة الضاحية – حرب الصدمة والرعب) تدفعه إلى التخلي عن قوائمه الرئيسية في الحروب التي شنها منذ العام 1948 على أساس استراتيجيات وأصول وأهم هذه الأصول: 

أولاً: تطبيق الإستراتيجية التشتيتية، وعزل مسارح العمليات
لتطبيق ذلك، ينبغي للقوة المهاجمة أن تلجأ إلى مفهوم الاقتراب غير المباشر، والعمل على أكثر من جبهة، في آن واحد؛ لتشتيت الخصم، وتثبيت قواته، وليست الإستراتيجية، التي حملت مفهوم الحربين ونصف الحرب، أو الحرب ونصف الحرب، إلا تعبيراً عن هذه الإستراتيجية. إلا أن جيش العدو استبدل الاستراتيجية التشتيتية باعتماد اسلوب العمل بمنطقين قتاليين الأول هجومي في غزة والثاني دفاعي "احتكاكي" في الجبهة اللبنانية وحاول من خلال هذين المنطقين تفريق مسرح العمليات اللبناني عن المسرح الفلسطيني إلا أن المقاومة التي كانت تقاتل بمنطق التعاون وضعت في خطتها الأساسية مفهومين جوهريين: 

الأول: قتال العدو بنظام الحشد والكتلة الموزعة وذلك لاستدراج أصول العدو العسكرية إلى تشتيت كتلته وحشده وعدم التمكن من اعداد الحشد الكافي لغزة.

ثانياً: القتال بأسلوبين عملياتيين في آن واحد بمواجهة العدو يجبره على تشتيت جهده وتركيزه (بين دفاع وهجوم) على مستوى الاستراتيجية العسكرية الأول دفاعي "تعرضي" في غزة حيث تقوم المقاومة الفلسطينية بتعطيل مناورة العدو الشاملة من خلال القتال من جبهة داخلية بطريقة الخفاء والعمل التعرضي والثاني دفاعي هجومي "احتكاكي" على الجبهة اللبنانية هدفه سلب ترسانة أسلحة ومعها مميزات العدو الالكترونية فاعليتها وتحييدها بشكل جزئي أو نهائي عن الميدان وهذا النموذج من القتال يعتبر جديداً ومبتكراً حيث أنه يلغي تأثير الحافة الأمامية، ويجعل القتال كله تقريباً مؤثراً في منطقة مسؤولية العدو فيسلب منه المبادأة والمبادرة ويجعل سلوكه القتالي أقرب من عمليات ردات الفعل التي تقابلها المقاومة بالضغط أكثر على نطاقه الدفاعي الرئيسي، وتجعله بلا جدوى وتفرض عليه اعتماد خط الدفاع الثاني قاطعاً الاشتباك القريب ومحولاً المعركة إلى "مطاولة" تعبوية. 

ثانياً : تطبيق مبادئ الحرب وفق القوائم الصهيونية 
تحرص قيادة العسكرية، في كل معاركها على تطبيق قائمة مبادئ الحرب الخاصة بالعقيدة العسكرية الصهيونية، بشكل دقيق وفق ما تسميه "توراة الحرب"، وفي طليعة هذه المبادئ: 
أ. الهدف 
يشمل تحديد هدف لكل عمل عسكري، على جميع المستويات، ويتم الربط بين الأهداف في جميع مستويات الحرب. ويظهر هنا أن لا هدف محدد في جبهة غزة حتى الآن في ظل الاقتصار على التوحش العسكري والانتقام من أبناء غزة، يقابل ذلك غياب النظرة المنهجية للحرب على الجبهة اللبنانية، فمنذ أيام قال رئيس أركان جيش العدو هيرتسي هاليفي أنه "صادق على خطتي دفاع وهجوم (في نفس الوقت) للجبهة الشمالية وأوعز بالجاهزية لكافة وحدات قوات الجيش " وهذا إن عنى شيئاً فإنه يعني ضياعاً في المؤسسة العسكرية بخصوص التعامل مع لبنان، حيث أن خطة الهجوم تعني تشغيلاً معيناً للقوات أما خطة الدفاع فتعني تشغيلاً معاكساً للخطة الأولى وذلك يعني تأمين موارد بشرية ومادية مختلفة تماماً مع الموارد المطلوبة للهجوم. 

ب. العمل الهجومي 
يعني أن امتلاك المبادأة، والاحتفاظ بها، واستغلالها، هو أساس العمل الهجومي، لتحقيق الهدف من الحرب وحيث أن جيش العدو أصبح فاقداً للمبادرة والمبادأة منذ نجاح عملية "طوفان الأقصى" أي قبل بدء العمل الهجومي إن حصل فسيكون هدفه هو استعادة المبادأة فبدون " امتلاك المبادأة والمحافظة عليها واستغلالها لا يصح القول بأن القوات باتت منخرطة في العمل الهجومي. 

ج. الحشد 
حشد جميع عناصر القوة القتالية، قوات ونيران، في المكان والزمان الحاسمين، لتوجيه ضربة قوية، تحقق صدمة للخصم، لتحطيمه وليس إضعافه. 

د. الاقتصاد في القوى 
يعنى استخدام كل القوة القتالية المتوافرة، بأكبر قدر من الفاعلية، وتخصيص الحد الأدنى الضروري من القوة للجهود الثانوية، ويشمل ذلك أيضاً التوزيع المناسب للقوات لتنفيذ المهمة، وتحقيق هدف الحرب.

هـ. المناورة 
تعني حركة القوات؛ لكسب مزايا عن العدو، وتفرض وضعاً جديداً، أو مشكلات جديدة على العدو، ويتطلب نجاحها التفوق على العدو، في التخطيط، والتنفيذ، ومجالات الفكر العسكري، ونقل المجهود الرئيس وتحويله لاستثمار النجاح. 
إن عمل محور المقاومة على تشتيت حشد العدو بمواجهة حشد محور المقاومة الموزع يفرض على العدو هدراً لطاقاته ويجعله فاقداً للأداة الأساسية التي يمكنه بها المناورة و تزخيم العملين الهجومي والدفاعي في المقابل فإن إفقاد العدو هذه الميزات الثلاث يمنع العدو من التشغيل العملياتي السليم لقواته وتركيز جهودها واستثمار نجاحها.

و. وحدة القيادة 
تعني تبعية القوات إلى قيادة واحدة، لها صلاحيات مطلقة في توجيه القوات، نحو هدف مشترك واحد، وهذا يتطلب تنسيق الجهود، وتعاوناً مشترك بين القوات. 
ان إجبار العدو على خوض الهجوم والدفاع على المستوى المركزي والاستراتيجي يضرب هذا المبدأ ويجعل قوات العدو تبدو كجيشين متناقضين ضد غزة ولبنان وهنا تبدو المعركة المجزأة بين ميدانين ثقيلة على العدو فهو مضطر لصرف موارد عقلية وتخطيطية وقيادية وبشرية ومادية مضاعفة لتلبية طلب جبهتين رئيسيتين تتمتع كلاهما بأهمية استراتيجية هما جبهة غزة الرئيسية وجبهة لبنان المساندة.

خلاصة: 
مما تقدم فإن تحليل وظيفة الجبهة اللبنانية في حرب الدفاع عن غزة ومساندتها في العلم العسكري يوصل إلى نتيجة هي أن هذه الجبهة المساندة التي ما زالت لليوم الأربعين عرضة للمزايدة والتشكيك تجعل جيش العدو جيشين وعقله عقلين وقيادته قيادتين ليتلاءم ذلك كله مع تطبيقات الحروب التي تعتبر أرشيفاً للدروس المستفادة من المعارك الكبيرة. 
فالجبهة اللبنانية ساهمت خلال معركة طوفان الأقصى في هذه الأمور العسكرية الاستراتيجية: 
1- ساهمت بحرمان العدو من ترميم ردعه.
2- تستمر في نزع المبادرة والاحتفاظ بالمبادأة. 
3- مارست مع الجبهتين العراقية واليمنية بتشتيت مبدأ الحشد لدى العدو. 
4- قسمت وشتتت وحدة القيادة العسكرية إلى قسمين متناقضين قسم يمارس الدفاع في الجبهة اللبنانية وقسم يمارس الهجوم في المقيد والمشروط في غزة ..

18-تشرين الثاني-2023

تعليقات الزوار

استبيان