المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

هدى حجازي.. النموذج الزينبي الولائي

هدى محمد رحمة

من لحظة المجزرة وأول ما فكرنا به كانت هي، وبعضنا وُسوٍس له أنه "لو استشهدت معهم كان أرحم إلها، كيف بدا تتلقى خبر بناتها التلاتة، كل ولادها". انتظرنا بفضولٍ وحزن كبيرين لحظة استيقاظها، كما سبق وانتظرنا وصول الأب إلى مطار بيروت لنرى مشهد الحزن والأسى العظيمين، ورأيناه، عند الوصول وفي التشييع، وبقينا ننتظر لحظة استيقاظ الأم ورؤيتها، وهم بنات أحشائها.


واستيقظت الأم، وأيقظتنا! نعم أيقظتنا، لقد كنا نحن الغافلون، وهي اليقظة الواعية، هي التي بحق إبنة مدرسة أهل البيت -عليهم السلام- قولًا وفعلًا وفقدًا ووجعًا، نعم، فهي "ما رأت إلا جميلا". هي، مثل قدوتها السيدة زينب - عليها السلام- تعلم حجم الفقد، تعلم ما فقدت ومن فقدت، لكنها تملك من الرضا والتسليم والبصيرة لتقول بكامل جوارحها "الحمدلله، والحمدلله كلما نطقت بالحمد له".


من على سرير المستشفى، ومن قلب الوجع والفقد أعطتنا دروسًا ودراساتٍ ومناهج، وفي أكثر من ميدان، بكل وعيٍ لكل حرفٍ تنطقه. وهي تدرك مصابها الجلل، هنَّ أقرب الناس إليها "الوحدة يا بتشكي لإمها يا بتشكي لبنتها، أنا إمي وبناتي راحوا".


قلبها مليء بالعاطفة والحنان، تذكر الأطفال الذين استشهدوا سابقًا وحاليًا "ما عم تشعر بالطفولة اللي عم تنقتل!"، يعني أنها كانت تتأثر بكل طفلٍ يقتله العدو الإسرائيلي، فكيف إن كن بنات قلبها مَن قَتلهن هذا العدو! تذكر تفاصيل بناتها في المشوار الأخير وما قبله إلى الجنوب، كيف وضبن ألعابهن وكتبهن، وكيف لبسن أحلى الثياب.


وبعد، ترسم سيناريو ما يحصل عند شعور أطفالها بالخوف، تقول إنهن قضَين اليوم، وكأنهن في الجنة، وعند شعورهن بالخوف تطمئنهن :"نحنا لوين ريحين؟ منروح عند الله. اللي بروح عند الله ليه بدو يخاف؟ إنتو مؤمنين ما لازم تخافوا." تذكر جملة أمها كيف سألتها: "من وين بتجيبي هيدي القوة؟" ولأنها المليئة بالعاطفة تجيبها "والشباب اللي بالفلا يا ماما؟"، قلبها على المجاهدين. وتذكر كيف كانت أيادي بناتها تحضن أيادي بعض في السيارة، في مشوارهن الأرضي الأخير.


ومن أحبت وتولت، كانوا معها في لحظات الفقد الجلل: "كانوا كتير يحبوا يسمعوا قصة النبي إبراهيم عليه السلام، والله والله بردًا وسلامًا يا ماما. في شي أخدهم مني ع عالم تاني، في إيدين بيضا طاهرة أخدتهم، في ملايكة، في السيدة الزهراء لفتهم بعبائتها، في صاحب الزمان كان موجود، في الإمام الحسين اللي هني بحبوه وهني على نهجه، هوي أخدهم".


وعن حفيد الحسين - عليه السلام- تخاطبه بلغة الأبوة: "سماحة السيد حسن حبيبي وقلبي، بحرب تموز قلت إذا بيمشي السيد بدي هيك شوية غبرا عن إجريه إمسح جبيني وجبين ولادي لربيهم ع العز".


ونالت بناتها العز الأكبر بالشهادة، ونالت هي العز الأعظم بأنها ابنة شهيدة، ووالدة ثلاثة شهيدات: " أنا معلمة دين بفتخر، بقول لتلاميذي ليكو، أنا قبل لساني كان يلفظ أشيا، بس هلأ قلبي عمل أشيا، قدمت أغلى شي، مفي شي أغلى من الولد. أنا اللي لازم كون متل ولادي، هني سبقوني وأنا لاحقيتهم".


نعم، الحاجة هدى حجازي، والتي لها من اسمها نصيب، نموذج من شعب المقاومة الأبي الوفي الشريف المعطاء مهما بلغت التضحيات. هذا الشعب الذي ينتمي إلى مدرسة كربلاء، حيث ذروة العطاء، ومعه، التسليم الجميل.

22-كانون الأول-2023
استبيان