المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

ممرّ قبرص – غزّة.. ما الأهداف الإسرائيلية؟

علي عبادي

لماذا ممرّ بحري من قبرص إلى غزّة، وليس معبر رفح أو معبر من جهة الأراضي المحتلة عام 1948؟

هذا هو السؤال الذي يُطرح بشأن قرار الرئيس الأميركي جو بايدن تقديم إمدادات إنسانية إلى غزّة عبر البحر، في وقت يواصل الجسر الجوي والبحري الأميركي عمله في تقديم أحدث القنابل والمعدات إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، دونما تأثّر بالجدل حول خلاف تكتيكي بين إدارة بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو.

تشير فكرة بناء رصيف عائم في غزّة لتلقي الإمدادات انطلاقًا من جزيرة قبرص التي تبعد عن أقرب نقطة في القطاع أكثر من 320 كلم، إلى توجّه له أبعاد جيوسياسية وديمغرافية أوسع من البعد "الإنساني". وإذا عرفنا ان الجانب الإسرائيلي هو من سوّق هذه الخطوة من البداية، سيكون علينا أن نستكشف ما تنطوي عليه من خلفيات لإكمال أهداف الحرب الصهيونية على القطاع. وقد نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل أيام نقلًا عن مسؤول إسرائيلي رفيع أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هو من طرح على بايدن فكرة إيصال المساعدات عبر البحر إلى غزّة في 22 تشرين الأول الماضي، قبل أن يعرضها على الرئيس القبرصي في نهاية الشهر نفسه. وتشير هذه المعلومة إلى رغبة إسرائيلية في قطع الإمدادات عن القطاع انطلاقًا من الأراضي المحتلة، حيث كانت تصل جلّ البضائع في العادة عبر معبر كرم أبو سالم. ويعني هذا أن الجانب الإسرائيلي كان عازمًا في تلك الفترة المبكرة على إيصال سكان القطاع إلى مرحلة الجوع وتأخير وصول الإمدادات المختلفة إليهم لأطول فترة ممكنة بهدف إخضاعهم، ذلك أن نتنياهو كان يدرك أن "الحسبة" اللوجستية لهذه العملية ستأخذ وقتًا قبل أن تجد طريقها إلى التنفيذ، كما ان إيصال المعونات إلى غزّة بحرًا سيستهلك وقتًا إضافيًا غير يسير ولن يلبي الاحتياجات اليومية العاجلة لأكثر من مليوني نسمة. وفي السابق، كانت المعابر البرية، وخاصة من كرم أبو سالم (الجانب الإسرائيلي) ومن رفح (الجانب المصري)، تؤمّن هذه الاحتياجات على نحو أسرع وأكبر لا سيما مع تكدس مخزون هائل من مواد الإغاثة على الجانب المصري من الحدود.

في ضوء ذلك، يمكن القول - بناء على ما صدر من نوايا إسرائيلية علنية - أن الجسر البحري من قبرص إلى غزّة يخدم الأغراض الآتية:  

 - يرمي العدوّ إلى فتح باب دوّار في اتّجاهين: الأول يستقبل مساعدات إنسانية للفلسطينيين لامتصاص الضغوط الدولية، والثاني لفتح باب تهجير إلى الخارج عبر البحر "لمن يرغب"، في ظلّ  عملية تدمير إمكانيات العيش في القطاع غذائيًا وخدماتيًا وأمنيًا. وقد اقترح مسؤولون صهاينة في تشرين الثاني الماضي إجلاء مقاتلي حركة حماس (المقاومة الفلسطينية) مع عائلاتهم عن طريق البحر إلى الخارج، على غرار ما جرى مع مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت عام 1982. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، تمهد خطوة كهذه "لإنشاء سلطة إعادة تأهيل غزّة، بدعم من السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي ستُكلَّف بإعادة بناء قطاع غزّة خالٍ من حماس".

 - يعمل العدوّ بشكل حثيث على إحباط أي مقترح لتسهيل إدارة القطاع على أيدي حركة حماس أو السلطة الفلسطينية على السواء. ويشير تقرير إسرائيلي إلى أن نتنياهو رفض اقتراحًا للسماح للسلطة الفلسطينية بتأهيل قوة أمنية من أبناء القطاع تمهيدًا لنشرها في إطار إعادة غزّة إلى كنف السلطة أمنيًا. وتشكّل مواد الإغاثة رافعة لأي جهة محلية أو إقليمية تريد القيام بدور في إدارة قطاع غزّة. ووفق رأي نتنياهو، يمكن توظيف عائلات محلية أو جهة عربية يرتاح إليها (دولة الإمارات مثلًا) في الإضطلاع بهذه المهمّة، ما يساعد على قتل فكرة وجود سلطة فلسطينية مستقلة في سياق رفض الإقرار بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة ذات سيادة.

 - يعلن العدوّ في كلّ مناسبة أنه يريد إلغاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" والسعي إلى استبدالها بجهة أخرى. ومن المعلومات المنشورة يتبين أن الجهة البديلة حاليًّا (وربما مؤقتًا) هي منظمة "المطبخ المركزي العالمي" ‎World Central Kitchen التي سيوكل إليها توزيع المواد الإغاثية الآتية عبر قبرص. ولا نعلم الكثير عن ارتباطات هذه المنظمة والجهات التي تمولها. أما الهدف من ضرب دور الأونروا فليس بجديد، وهو شطب قضية اللاجئين وحقهم في العودة إلى أراضيهم التي هُجروا منها منذ عام 1948. وطالما ان الأونروا موجودة، فإن قضية اللاجئين تبقى على جدول الأعمال الدولي، أقله خدميًا.

 - يؤدي حصر طريق الامدادات إلى غزّة عن طريق البحر إلى ضرب دور معبر رفح، وبالتالي تقليص دور مصر في القطاع. وقد عبّر مصدر مصري عن هذا الأمر، مشيرًا إلى الفائدة الاقتصادية لمعبر رفح بالنسبىة لمصر (تأمين وظائف وسوى ذلك)، وتساءل في الوقت نفسه عن الحاجة للممر البحري من قبرص، طالما انه يمكن نقل المساعدات من الموانئ الإسرائيلية الأقرب إلى القطاع، وهذا تساؤل منطقي يشير إلى أن في ممر قبرص قطبة مخفية.

 - يدرك الجميع أن الممر البحري ليس حلًا على المدى البعيد وأنه مجرد مسكّن موضعي لأزمة غزّة الإنسانية، وذلك مقصود لإطالة عمر الأزمة وإيصال سكان القطاع إلى استخلاص نتيجة واحدة بأنفسهم، وهي تقبّل فكرة الهجرة إلى أرض أخرى خارجه، وفق خيار اقترحته الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الأسبوع الثاني بعد عملية طوفان الأقصى. وقد اتّخذت قوات الاحتلال إجراءات على الأرض لمنع عودة النازحين إلى جنوب القطاع من العودة إلى شماله عن طريق إقامة طريق عرضي يقسم قطاع غزّة إلى قسمين في ما يسمّى طريق "طريق "نتساريم"" القديم. كما تقوم قوات الاحتلال بضرب تجمعات النازحين الذين يتهافتون على المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع بهدف تصعيب ظروف العيش عليهم وحملهم على التفكير في الرحيل.

 - هناك مسعى إسرائيلي لاستبدال الراعي العربي المالي للقطاع ونقل المسؤولية من قطر إلى الإمارات التي تمتلك تجربة تدخّل أمنية واسعة في ليبيا واليمن والسودان وغيرها. ولدى الإمارات وكيل فلسطيني يتحدر من غزّة هو محمد دحلان المفصول من حركة فتح والذي عمل لسنوات عديدة مستشارًا أمنيًا لرئيس دولة الإمارات. ويسعى دحلان بدعم إماراتي لإعادة تكوين حضوره في غزّة، وتشكّل المساعدات الإغاثية مدخلًا مهمًا في هذا الاتّجاه. وترتبط الإمارات بعلاقات أمنية واسعة مع "إسرائيل" تعززت بعد اتفاقيات التطبيع التي وُقعت في أيلول 2020 خلال عهد الرئيس الأميركي ترامب، ولها أفضلية كما يبدو على قطر التي لها صِلات بالجانب الإسرائيلي، لكنّها تؤوي قادة حركة حماس ويتّهمها الاحتلال بتقديم دعم مادي للحركة خلال فترة حكمها للقطاع، في حين أن الإمارات تكنّ عداءً واضحًا لحماس ولحركات المقاومة عمومًا.  

في كلّ الأحوال، تصطدم هذه الرهانات الإسرائيلية بصمود فلسطيني منقطع النظير سواء في الجانب الأهلي أو في الجانب المقاوم، بينما تهتزّ الجبهة الداخلية للعدو وتشتدّ عزلته خارجيًا بعدما اتضح حتّى لأقرب حلفائه أنه ينفذ مخطّط إبادة انتحاريًا حين ربط تحقيق انتصاره العسكري بمعركة في رفح مشكوك في جدواها وبسيطرة طويلة الأجل على القطاع، من دون أي أفق سياسي أو اعتراف بأي شريك فلسطيني يحظى بتمثيل شعبي معتَبر.

15-آذار-2024
استبيان