المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الشهيد الإيراني ابراهيم هادي.. قدوةٌ شبابية وكنزٌ عرفاني

مختار حداد - طهران

"سلام على إبراهيم"، كتابٌ يروي سيرة العارف والبطل المجاهد الشهيد إبراهيم هادي، ذلك الشابّ الذي أصبح مثالًا للشباب والناس ليس فقط في إيران، بل في مختلف دول العالم ممّن سمعوا قصّته.

 

 

 

سيرة كفاح
فتح إبراهيم عينيْه على هذا العالم في الأول من أرديبهشت من العام 1336 هـ. ش.، 21 نيسان 1957، في حيّ الشهيد "سعيدي" بالقرب من ساحة خراسان بجنوب العاصمة طهران، وهو الابن الرابع لعائلته.
 ذاق إبراهيم طعم اليُتم في مطلع نشأته، الأمر الذي دفعه إلى خوض غمار الحياة كالرجال العظام، فبدأ العمل إلى جانب دراسته. أنهى المرحلة الابتدائيّة في مدرسة "طالقاني" والمرحلة الثانوية في مدرستي "أبو ريحان" و"كريم خان زند"، واستطاع الحصول على الشهادة الثانوية في فرع الأدب.

في الأشهر الأخيرة للمرحلة الثانوية، بدأ بمطالعاته. وقد كان لحضور إبراهيم في لجنة شباب "الوحدة الإسلامية" والتتلمُذ على يد أساتذة كالعلّامة الجعفري، الأثر الكبير في صقل شخصيّته. إلى جانب دراسته، كان يعمل في بازار2 طهران، وبعد انتصار الثورة انتقل إلى منظمة التربية البدنية (منظمة رعاية الشباب)، ومن بعدها إلى التربية والتعليم.

الشهيد إبراهيم هادي كان رياضيًّا وماهرًا في الكرة الطائرة والمصارعة ولم يكن يتراجع في أيّ ميدان من الميادين، بل يقف برجولة دومًا. هذه الرجولة التي ظهرت بوضوح في المرتفعات الباردة لـ"بازي دراز" و"جيلان غرب" كما في سهول الجنوب الحارقة. وما زالت بطولاته تتداعى في أذهان رفاق السلاح القُدامى.

في معركة "والفجر التمهيدية"، قاوم لـ5 أيام مع شباب كتيبة "كميل" و"حنظلة" في قنوات "فكّة"، ولم يستسلموا إلى أن كان يوم 22 بهمن من العام 61 هـ. ش.، 11 شباط 1983م، عندما أُرسل من تبقّى من الشباب إلى الخطوط الخلفية، وبقي إبراهيم وحيدًا، فبات مجهول المصير ومفقود الأثر كما طلب دومًا من الله.

 


وللحديث أكثر عن الشهيد الكبير ابراهيم هادي، التقى موقع "العهد" الاخباري شقيقته الحاجة زهرة هادي، وفيما يلي نصّ الحوار:

* هل من الممكن أن تقدّموا لنا شرحًا عن الأجزاء المهمّة والبارزة من سيرة الشهيد إبراهيم هادي؟

 - الشهيد إبراهيم يكبرني بنحو 7 سنوات. على الرغم من كونه الابن الثالث في الأسرة، إلّا أنه أصبح قدوة لي، لأنه هو نفسه كان مهتمًّا جدًا بالتربية والأخلاق. في ذلك الوقت، كانت مسألة الحجاب بحدّ ذاتها تحديًا بالنسبة لنا، لأنه في المرحلتيْن المتوسّطة والثانوية، عندما تجاوزنا سن البلوغ، كان علينا أن ندخل المدرسة من دون حجاب (قبل انتصار الثورة) وكان يقول لي "إذا كان عدم ارتداء الحجاب يؤثر عليكِ وتشعرين بالضيق، فلا تجلسي في ذلك الفصل وغادريه، فهذا ليس مكانك".

كأنه في ذلك الوقت كان يعلم بأن الثورة ستحدث، وأنه من أجل قيامها هناك حاجة لأشخاص مؤمنين ومُلتزمين، واليوم عندما أفكّر بتلك المرحلة أُدرك أن جميع أفكار وأعمال إبراهيم فيما يخصّ الحجاب والتأكيد عليه كانت صحيحة وهادفة.

كان إبراهيم يهتمّ جدًا بمعرفة من هُم صديقاتي، ليس بهدف ازعاجي ومُضايقتي ولكن كان من الواجب التأكد من التزام صديقاتي بموضوع الحجاب والأخلاق والعائلة، وكان دائمًا يهتمّ بشؤوني حتّى لا يحدث أمر سيئ، فكان المرشد والمساعد لي دائمًا.

 

 

 

على الرغم من أننا كنّا 6 أخوة وأخوات، إلًا أن حياتنا بجانب بعضنا البعض كان لها صفاؤها الخاص. وعليكم أن تتصوّروا المقوّمات التي كانت موجودة في ذلك الوقت، بالنظر لأننا ستة أشخاص نعيش في مكان واحد صغير في بيت العائلة. الأعمال الرئيسية كان يقوم بها والدانا، وكان لهما الأثر الكبير في تشكيل شخصياتنا وسلوكاتنا وتربيتنا.

كان إبراهيم دائمًا ما يرافق والدي في الذهاب إلى المساجد والحسينيات، وكان منذ طفولته مهتمًا بالرياضات التراثية الإيرانية القديمة، ومنها رياضة الفتوات. كان يحب الأعمال الجماعية ولا يؤمن بالأدوار الفردية. وعلى الرغم من أننا فقدنا والدنا ونحن صغار، إلّا أنه كان يعرف كيف يهتمّ باليتيم، وكنتُ أتعجّب حقًا من أين تعلّم كلّ هذا وأين تدرّب عليه. كنتُ إذا ما بكيتُ أو شعرتُ بالاضطراب، كان يعرف كيف يواسيني ويهدّئ من روعي، حتّى لا أشعر بالنقص والفراغ.

لعل هذه الأمور تبدو بسيطة، لكنّها ذات أهمية كبرى، ويجب تعليم هذه الأمور لشباب اليوم ليعلموا أن هؤلاء الشهداء لم يسعوا لكسب المقام الدنيوي، بل كان لديهم هدف أسمى في أذهانهم. وكلّ من التقيتُ بهم كانوا يحسدون إبراهيم، ويقولون: "هنيئًا له، فقد اجتاز هذه الدنيا الفانية بكلّ صعوباتها".

 

* ما هو دور الشهيد إبراهيم هادي خلال مرحلة الثورة الاسلامية؟

 - كان الشهيد يأخذ رسائل وكلمات الإمام الخميني(قده)، وينشرها سرًا وبعيدًا عن أنظار الآخرين في المساجد والحسينيات. في مظاهرات يوم 17 شهريور – 8 أيلول 1978 (الجمعة السوداء)، ذهبنا معًا منذ الصباح، وافترقنا أثناء المظاهرات والاشتباكات في ساحة الشهداء (جاله)، وكان من أوائل الناس الذين حضروا إلى ساحة الشهداء، وفي آخر الليل عاد وكانت حالته سيّئة وملابسه ملطّخة بالطين والدماء، فعلمنا لاحقًا أن النظام البهلوي الخبيث لم يسمح لسيارات الإسعاف بالدخول إلى ساحة الشهداء، وكان عليهم نقل الجرحى والشهداء بالأيدي، فحمل إبراهيم هؤلاء الجرحى واحدًا تلو الآخر على ظهره، وقام بإسعافهم إلى أقرب مستشفى، وقد قام بالدور نفسه حتّى في جبهات الحرب عندما أصيب أحد أسرى العدو.

يومها حمل ذلك الأسير لمسافة طويلة على ظهره وعندما أنزله كانت الزائدة الدودية عند إبراهيم قد انفجرت. بعد أسبوعين عاد، وسألناه أين كنت، فأجاب أنه كان يقوم بالأعمال المعتادة التي يقوم بها في الجبهة، ولكننا فيما بعد علمنا أن أحدهم كان بحاجة للمساعدة وقد أوصله للمستوصف.

من الأعمال الأخرى التي كان يقوم بها إبراهيم، نقل الجرحى والشهداء من الخط الأمامي للجبهة إلى خلفها، وأحيانًا كان يحمل جثث الشهداء الطاهرة على كتفيْه ليتمّ من ثمّ إيصالها لذويها، وقد قام بالكثير من الأعمال من هذا القبيل ولم أذكر سوى مثال واحد.

 


* کیف کانت علاقته بالإمام الخميني (قده)؟ وهل تذكرين شيئًا من لقاءاته بسماحة الإمام الراحل؟

 - أحد المواقف التي أذكرها أن الجيران كان يسألون من أيّ بيت يصدر صوت "الله أكبر" هذا؟ فكان أغلب الجيران يُجيبون بأنه من بيت إبراهيم هادي.

هؤلاء الجيران قالوا لإبراهيم إنكَ تصيح الله أكبر بصوت مرتفع جدًا وهذا من الممكن أن يعّرضك للخطر والإصابة بالرصاص (من جانب نظام الشاه)، فأجاب "فليصيبوني إذن، إنني أنادي ربّ العالمين ولا أقوم بعمل سيّئ".

لقد كانت كلمة "الله أكبر" عندما يصيح بها قويةً لدرجة أنها كانت تصدح في كلّ أرجاء الحيّ. وقد كان من الأشخاص الذين نظّفوا وكنسوا الشوارع بمسافة 5 كيلومترات وفرشوها ورودًا استعدادًا لاستقبال الامام الخميني(قده) وحبًّا به، عندما عاد من المنفى إلى البلاد، وفي اليوم التالي سار وراء موكب الامام الخميني(قده) من مطار مهرآباد إلى مقبرة جنة الزهراء(س)، ويداه تقبضان على مقبض باب السيارة التي يستقلها الإمام، وكان يحدق به طوال مسافة الطريق.

كان يذهب إلى جماران، وكان يعتقد بأن رؤية الإمام الخميني(قده) ولو لمرة واحدة كافية، والأهمّ هو تنفيذ توصيات الإمام الخميني(قده).

 


* ما هي الميزة والخاصية الموجودة في شخصيته حتى يحصل على كل هذه الشعبية؟

 - على الصعيد الاجتماعي، إحدى أهمّ وأبرز الميزات في شخصيته هي أن الجميع كانوا يحبونه، لأنه يتعامل مع جميع أفراد المجتمع على حد سواء. كان رحمة الله عليه يجعل حتّى من شخص سارق رفيقًا له ليهديه إلى الطريق الصحيح، بل حتّى من "البلطجية" في الحيّ، وحتّى أولئك الذين كانوا أعداءً له، فقد كان يرافقهم ويرشدهم حتّى يعودوا لصوابهم.

كان يمثّل لجميع من عرفه قدوة في الأخلاق. كنتُ أتعجّب من الذين يأتون إلى بيتنا لزيارته ومن أشكالهم وأوضاعهم لا سيما أن ظاهرهم لا يُظهر أنهم من الملتزمين فسألتُ إبراهيم بِدهشة: إن هؤلاء لا يبدون مؤمنين وليسوا من الملتزمين، فقال حسنًا وما المشكلة في ذلك؟ فهل الجميع كانوا كذلك منذ البداية؟ كان يقول "مهمّتي أن أُنقذ هؤلاء الذين يبدون هكذا، ولا يجب أن أطردهم أو أردّهم بل يجب أن أساندهم وأصبح رفيقهم".

* برأيك، ماهي الميزة والسرّ في شخصيّته حتى اختاره الله سبحانه وتعالى ليعطيه كل هذه الجاذبية والقبول؟

- في رأيي أن هذا السر هو التربية الصالحة على الرزق الحلال التي ربانا عليها والدانا. الدقة في التربية لوالدينا على معرفة الرزق الحلال كان لها الأثر الواضح على شخصية الشهيد إبراهيم، وقد استفاد من هذا الأمر على أفضل وجه.

 

* كيف تقيّمون حبّ وتعلّق الشباب في إيران وبعض الدول به؟


 - أنا أعتقد بأنه يعيش بيننا وحاضر بجانبنا دائم. منذ مدة قصيرة ذهبتُ لزيارة مشهد المقدسة، وعلى الرغم من أنني كنت مشتاقة جدًا لزيارة الامام علي بن موسى الرضا عليهما السلام، إلا أنني ودعته واستأذنته بالعودة إلى طهران، فوقفت سيارة أمامنا لتوصلنا إلى البيت، وعندما وصلنا أردتُ إعطاء السائق الأجرة، فقال أنا خادم زوار الامام الرضا(ع)، فخاطبتُ بيني وبين نفسي الإمام الرضا(ع) "ماذا حدث؟"، وتوسلت لإبراهيم أن يرشدنا في طريقنا الصحيح.
عندما أصررتُ على أن يأخذ السائق أجرته، قال لي "لقد كنت اليوم في مرقد الامام الرضا (ع) وقد قطعتُ عهدًا أمامه بأن أوصل أول راكب مجانًا على أن يقضي حاجتي، كما توسّلتُ في مرقد الامام الرضا(ع) الشهيد إبراهيم هادي وأوكلتُ إليه حاجتي"، هنا قلتُ له "أنا أخت الشهيد إبراهيم هادي"، نزل من السيارة وهو مذهول وقال: "أنا عضو في مجموعة الشهيد إبراهيم الهادي الجهادية في مشهد المقدسة، هل أنتِ حقًا شقيقته؟"، أجبتُ نعم، فقال "أريدكم أن تدعوا لي بأن تقضى حاجتي".

في ذلك اليوم، بكينا في منتصف الشارع، أمّا في اليوم التالي، حين وصلنا إلى طهران، فقد اتصل بي رقم غريب، أجبتُ، فقال المتصل "عذرًا يا أختاه، أنا الرجل الذي أوصلكم البارحة، وقد أخذتُ رقمكم من المجموعة الجهادية وأردتُ إخباركم بأن حاجتي قد قُضيت اليوم".

 

* لماذا تعتقدون بأن الله اختار إبراهيم ليكون من الشهداء مفقودي الأثر؟

 - من الميزات البارزة في شخصيته أنه كان لا يرغب بإبراز نفسه ولم يكن يحب أن يعرف أحد ماذا يفعل. كذلك كان لديه اهتمام خاص بالسيدة فاطمة الزهراء (ع).

* بما أن عائلتكم حاصلة على وسام الشهداء مفقودي الأثر، ما هي رسالتكم لعوائل الشهداء مفقودي الأثر اللبنانيين؟

 - يجب علينا الافتخار والاعتزاز بهؤلاء الشباب، باقي الأثر الخالدين الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون. علينا أن نفخر بكون هؤلاء الشهداء مجهولين، وإن كونهم كذلك هو الفخر الأكبر لنا.

* كيف تصفين علاقة الشهيد إبراهيم بالإمام الحسين (ع) وأبي الفضل العباس (ع)؟

 - الشهيد إبراهيم هادي ومنذ طفولته، كان يجمع أبناء الحي ويقيمون سوية موكبًا حسينيًا ومراسم عزاء الامام الحسين (ع) بمفردهم.

* ما هي رسالتكم لشباب المقاومة؟

- آمل أن نعمل بجدّ في هذا السبيل وأن ننفّذ كلّ ما نقول. هؤلاء الشهداء لم يكونوا نتيجة لمجرد الكلام، بل كانوا يقومون بواجباتهم على أكمل وجه، ويجب أن نثبت أن هؤلاء الشهداء هم دائمًا وأبدًا قدوتنا القائمة ومثلنا الأعلى.

 

 

08-نيسان-2024
استبيان