المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

طوفان الأقصى وحرب المعادلات بين لبنان و"إسرائيل"

شارل أبي نادر

عندما انخرط حزب الله في الحرب ضد العدو الإسرائيلي إسنادًا لغزة وللشعب الفلسطيني، كانت أهدافه محددة ومحصورة بدعم المقاومة الفلسطينية عسكريًا من خلال إشغال وحدات العدو والضغط عليها بالقدر الكافي لفرض مستوى مناسب من التأثير العسكري والميداني، يُجبر  العدو على وقف عدوانه على غزة والتراجع عن الإبادة الجماعية والتزام تسوية مقبولة من الفلسطينيين لإنهاء الحرب بما يضمن انتصار حركة المقاومة حماس، وكان مستعدًا وبشكل علني وواضح لإيقاف كل الأعمال القتالية على جبهة العدو الشمالية بمجرد وقف العدو عدوانه.

تطورت المواجهات في غزة واتخذت منحى الإبادة الجماعية من قبل الاحتلال، بعد أن فشل وعجز عن تحقيق أي من أهداف حربه، وبعد أن لقّنته المقاومة الفلسطينية دروسًا قاسية لم يكن ينتظرها، وبعد أن تجاوزت خسائره بين الضباط والجنود عددًا خياليًا لم يكن أحد يتوقعه. ومع تطور الاشتباك والأعمال القتالية في غزة، انطلقت وتطورت وتمددت الجبهات الثلاث لإسناد غزة والشعب الفلسطيني، اليمنية والعراقية واللبنانية.

وضمن هذا التطور للجبهات الثلاث، في توسيع جغرافيا استهداف الكيان، أو في مستوى الأسلحة النوعية التي استعملتها والعمليات المؤثرة التي نفذتها، كان لافتًا المستوى الذي بلغته قدرات المقاومة الإسلامية في لبنان في المواجهة مع وحدات العدو على جبهة الأخير الشمالية، وذلك من خلال ما أدخلته في هذا الاشتباك الاستثنائي من أسلحة وقدرات وتكتيكات تجاوزت بتأثيراتها خطوط المعادلات الأساسية التي كانت سائدة مع العدو الإسرائيلي، وذلك على الشكل الآتي:

لناحية الاستعلام

أولًا: أظهر حزب الله قدرات مميزة في متابعة ومعرفة مواقع وقواعد العدو الأساسية، لناحية الأسلحة والتجهيزات أو القوى والوحدات، ولم يكتف بذلك، بل استطاع مياومة ومواكبة كل المراكز المستحدثة، ومن خلال الإحاطة بمروحة واسعة من المعطيات والمعلومات المفيدة لمعركته ولاشتباكه مع هذه الوحدات.

ثانيًا: طبعًا كان لدى حزب الله مستوى معين من هذه المعطيات الاستعلامية عن وحدات العدو قبل معركة طوفان الأقصى، ولكن مستوى وشراسة الاشتباك المباشر مع تلك الوحدات خلال المعركة الأخيرة، وحاجته الإجبارية لكل معلومة تخص وحدات العدو، ساهمت بنقل هذه القدرة الاستعلامية لديه إلى مستوى خطير جدًا على جيش العدو بشكل كبير، وسيكون هذا المستوى حتمًا مؤثرًا جدًا في معادلة توازن القوة التي كانت سائدة قبل "الطوفان"، وبالتالي ستكون هذه المعطيات الاستعلامية - مهما كانت مصادرها، تقنية أو بشرية - أحد أهم عناصر المعركة لصالح المقاومة، عند أي مواجهة واسعة بينها وبين العدو في المستقبل.

لناحية أسلحة الاشتباك المباشر البرية

عدّة معطيات عسكرية فرضتها أسلحة حزب الله الصاروخية المدمّرة مثل فلق ١ وفلق ٢ وبركان، أو المضادة للدروع الموجهة، التقليدية أو الماس الموجهة بكاميرا، وما حققته هذه الأسلحة على مستوى المواجهة المباشرة حاليًا، ستكون حتمًا تأثيراتها مضاعفة عند أي مواجهة مستقبلية، دفاعية كانت أم هجومية. خلقت المواجهة الحالية للمقاومة، الفرصَ الثمينة المناسبة لاستعمال هذه الأسلحة ولتطوير الاشتباك من خلال إدخالها في المعركة بفعالية، وكانت المشاهد الصادمة لاستهداف مواقع وتجمعات العدو بها، في المواقع المكشوفة أو في المواقع غير المرئية، الدليل الحي على فعاليتها وخطورتها واستحالة مواجهتها أو التفلت منها.

لناحية المسيّرات

أولًا: لقد فرضت مسيّرات حزب الله نفسها بقوّة لافتة في هذه المواجهة، وباعتراف العدو قبل الصديق. حيث تنوعت بين الانقضاضية أو مسيّرات المراقبة أو تلك المقاتلة بإطلاق الصواريخ مرحلة أولى والانقضاضية مرحلة ثانية، واستطاعت وبنسبة كبيرة، فرض توازن جوي معقول مع العدو، من خلال مراقبة ومتابعة وقصف الأهداف العملياتية للعدو، وبمستوى معقول وقريب جدًا لمستوى مناورة العدو الجوية، والتي طالما كانت تميز معركته وقدراته.

ثانيًا: من الطبيعي أن هذا المستوى من التأثير العسكري والميداني الذي فرضته مسيّرات حزب الله في هذه المواجهة الحالية، سيشكل عنصرًا جديدًا وطارئًا وضاغطًا على أية مواجهة واسعة مستقبلًا ضد العدو الإسرائيلي، وتأثيراته لن تكون سهلة في الأخير، في أية معركة مرتقبة بين الطرفين، وهذا الأمر يمكن أن يشكل معادلة أخرى تضاف إلى معادلات القوة التي كان العدو يتحصن بها في كامل مراحل المواجهة التي سبقت "الطوفان".

وأخيرًا، منظومات الدفاع الجوي، بدأ حزب الله مؤخرًا إدخالها إلى الاشتباك بشكل تصاعدي مدروس، حيث استهلها بإسقاط مسيرات العدو الأكثر تطورًا حتى على الساحة الدولية، مثل هيرمز 450 وهيرمز 900، لينقل تدخله مؤخرًا إلى استهداف قاذفات العدو الفتاكة، والتي طالما كانت الذراع الفاصل لمعركته، وليفرض عليها - في منظر غير مألوف وغير منتظر - الهروب بسرعة من الأجواء اللبنانية خوفًا من صواريخ حزب الله المضادة للطائرات، والتي ما زالت غامضة حتى الآن، وليصبح تفوق العدو الجوي التقليدي مهددًا، ولتصبح معركته الواسعة المرتقبة غير واضحة، ولتتزايد شكوكه وخوفه لناحية إمكانية الاستفادة من قدراته الجوية كما تعود دائمًا في كل حروبه ومعاركه.

12-حزيران-2024
استبيان