المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

ماذا أضافت مسيّرات حزب الله على معادلة الردع بمواجهة "إسرائيل"؟

شارل أبي نادر

لا يمكن لأغلب المتابعين الموضوعيين، القريبين من كيان الاحتلال أو البعيدين عنه، إلا التسليم بأن المقاومة الإسلامية في لبنان استطاعت أن تفرض على هذا العدو، وضمن معركة إسناد طوفان الأقصى، مسارًا عسكريًّا وميدانيًّا استثنائيًّا، كان خارج حساباته التي لم يتوقعها، وذلك على الشكل التالي:

 لناحية إضعاف مستوى الاستعلام المباشر للعدو على جبهته الشمالية، استطاعت المقاومة إعماء قدرات أبراجه وقواعده وإفقادها ميزة الرصد والمراقبة الأساسية لمعركته الدفاعية، والضرورية أيضًا لمعركته الهجومية فيما لو قرر إطلاقها.

 لناحية إجباره على إبعاد دباباته ومدرعاته عن الخط الحدودي المباشر، وذلك من خلال فرض مناورة محكمة بالصواريخ الموجهة، العادية مثل الكورنيت وغيره، أو المجهزة بكاميرا مثل الماس، الأمر الذي أفقده قدرات سلاح الدبابات، والذي طالما كان، تاريخيًّا، أساسيًّا وفاصلًا في حروبه واعتداءاته.

لناحية إجباره على التخلي - بنسبة كبيرة وليس بشكل كامل طبعًا - عن أغلب مواقعه وثكناته وقواعده الثابتة، أو المستحدثة كبديل للمواقع الأساسية، وذلك بعد أن أصبحت هذه المواقع العسكرية أهدافًا أكيدة لصواريخ المقاومة التدميرية الجديدة، مثل بركان وفلق، أو لصواريخها التقليدية مثل الغراد والكاتيوشا، والتي أيضًا تطوّرت أنظمتها التوجيهية بنسبة عالية، جعلت دقتها في الاستهداف غير بعيدة عن قدرة الاستهداف للصواريخ التدميرية الجديدة المذكورة أعلاه (بركان وفلق).

هذا في البعد الاستعلامي أو العسكري والميداني، ولكن أيضًا في الأبعاد الاقتصادية والشعبية والاجتماعية، فقد خلق حزب الله، وعبر مناورته الإسنادية لغزّة، مشكلة مستعصية لسكان شمال الكيان ولحكومة العدو، لا يبدو من دون وقف الحرب على غزّة، أن هناك قدرة على معالجتها وإيجاد حل لها.

ولكن، بدأ يتبين للعدو مؤخرًا، أن كلّ هذه التأثيرات الضخمة التي استطاع حزب الله فرضها عليه، ستكون ضعيفة مقابل ما يمكن أن تخلقها مناورة الأخير الجديدة التي أدخلها مؤخرًا على الاشتباك، والتي تقوم بأساسها على المسيّرات القاذفة والانقضاضية التي كُشف عن بعض نماذجها فقط حتّى الآن مثل أبابيل وشاهد 101، الإيرانية الصنع أو المطورة لبنانيًّا على يد حزب الله.

فما هي الأسباب الفعلية التي سوف تجعل تأثيرات هذه المسيرات على الاحتلال أقرب للكارثية؟ وماذا يمكن أن تحقق على صعيد معادلة الردع بمواجهة العدوّ الإسرائيلي؟

قد يكون أهم مشكلة اليوم تؤرق العدوّ من هذه المسيرات، أنها صامتة وسريعة وتعمل بأرجحية نجاح مرتفعة ومميزة مقابل منظومات الدفاع الجوي العدوة، حيث لا دور للرادارت المتطورة في كشفها، وأيضًا، لا دور للقاذفات في مواجهتها، هذه القاذفات التي حاول العدوّ أن يجد فيها بديلًا عن القبة الحديدية، الأمر الذي يضع اليوم أي هدف داخل الكيان، مهما كانت مسافته عن الحدود مع لبنان، ومهما كانت أهميته وحساسيته، ومهما كان مستوى الدفاع عنه مرتفعً ا، في متناول الاستهداف الأكيد لحزب الله.

الأخطر بالنسبة للعدو أيضًا، من تأثيرات هذه المسيرات داخل كيانه، ونتيجة معاينة ميدانية وعسكرية في أغلب ساحات الحروب العالمية، مثل أوكرانيا أو ناغورني كاراباخ أو ليبيا، هو أن إمكانية مواجهة هذا السلاح القاتل ضعيفة جدًّا على صعيد عالمي، وأن فرصة التوصل إلى تطوير أنظمة خاصة للحد من فعالية هذه المسيرات، هي فرصة شبه معدومة في الوقت المنظور حتّى الآن، وذلك حتّى مع بعض المحاولات المتطورة في إدخال أنظمة الليزر لالتقاط المسيرات، والتي بقيت نتائجها بعيدة عن السيطرة المقبولة عليها، خاصة أن أكثر مصممي الأسلحة الغربيين، من أميركيين وأوروبيين، فشلوا عمليًّا في فرض مناورة دفاع ناجحة ضدّ سلاح المسيرات الروسي أو المدعوم بتقنيات إيرانية.

من هنا تأتي أهمية وخطورة وحساسية تأثيرات هذه السيطرة شبه الكاسحة لمسيرات حزب الله، في الاشتباك الحالي اليوم بينه وبين العدوّ "الإسرائيلي"، أو في المواجهة الرئيسية قبل طوفان الأقصى، وذلك على معادلة الردع المفروضة أساسًا بين الطرفين، ولتكون تأثيرات هذه المسيرات على العدوّ صادمة لدرجة أنها خلقت له حالة من عدم الاستقرار العسكري والأمني بسبب عجزه عن إيجاد الحل لمواجهتها، ولأنها أضافت على العناصر التي بنى من خلالها حزب الله معادلة الردع بمواجهته، عنصرًا جديدًا، متفلتًا لا يمكن ضبطه، وفاصلًا، بسبب قدرته على الوصول إلى أي هدف ينطلق صوبه، وحاسمًا بسبب العجز عن إيجاد حل لفعاليته.

16-تموز-2024
استبيان