المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

دبلوماسية المقاومة: ثالوث قوة سليماني

حيان نيوف

خلال جلسة البرلمان المخصصة لمنحه الثقة، قال وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي: إن "دبلوماسية المقاومة" النابعة من "مدرسة المقاومة" التي أسس لها الشهيد قاسم سليماني ستكون مركز اهتمام الحكومة الجديدة.

صحيح أن الوزير "عراقجي" لم يشرح مقاصده من مصطلح "دبلوماسية المقاومة" الذي استخدمه خلال تقديم رؤيته داخل البرلمان، وهو ما جعل الأمر يشتكل على الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن الإيراني وخاصة من خارج إيران، فإنه وبالعودة إلى تصريحات سابقة له وللعديد من المسؤولين الإيرانيين الآخرين يمكن لنا البحث والقراءة في هذا العنوان "دبلوماسية المقاومة" وتحليله وما يندرج تحته من معانٍ ومقاصد وسياسات وإستراتيجيات متوقعة .

بداية، ومن جانب لغوي محض فإن مصطلح "دبلوماسية المقاومة" يوحي بأن الدبلوماسية مضافة إلى المقاومة وليس العكس، ما يعني بأن الدبلوماسية ستكون ملحقة بالنهج المقاوم ومضافة إليه، ولا تقوم بدونه، وأن المقاومة شرط لازم للدبلوماسية.

في حديث سابق لعراقجي في ذكرى استشهاد الحاج قاسم سليماني قال، إن العلاقات بين الدول تقوم على ثلاثة أشكال من القوة؛ القوة الصلبة التي تستخدم أدوات القوة وعادة ما تكون عدوانية، والقوة الناعمة التي تشمل القدرة على التأثير في سلوك الآخرين وتحقيق الأهداف المرجوة، والقوة الذكية التي تعني الجمع والتكامل بين القوتين الصلبة والناعمة.

وقد يذهب الأمر بالقارئ للظن بأن "دبلوماسية المقاومة" تنطبق على الشكل الثالث "القوة الذكية" ، لكن الحقيقة أن ما قصده الوزير عراقجي مختلف عن هذا الفهم والتقييم، عندما تحدث عن وجه آخر رابع للقوة أسماها "القوة الدلالية".

يقول الوزير عراقجي عندما كان أميناً للمجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية قبل أن يصبح وزيرًا للخارجية، إن الحاج قاسم سليماني هو مهندس جبهة المقاومة، وإن ذلك كان سبباً في ظهور دبلوماسية المقاومة في مجال السياسات الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ثم اختصر معنى ذلك كله بـ"القوة الدلالية للمقاومة" كشكل رابع وجديد للقوة، وهي قوة تعتمد على قوة الله وتستطيع الوقوف في وجه القوى الكبرى وتدفع مشاريعها المضادة.

ولا يقتصر مفهوم "القوة الدلالية للمقاومة" على اعتبار الحرب والدبلوماسية أداتين رئيسيتين لإدارة موازين القوة بين الدول، بل إن الدبلوماسية القائمة على المقاومة هي ما يجب أن تشكل أساساً للسياسات الخارجية، ووفقاً لذلك تظهر تأثيرات البنية التي أسسها الحاج قاسم لتتجاوز بكثير السياسات الحالية والمناهج التنفيذية في السياسات الخارجية.

وبمعنى آخر، ووفقاً للوزير عراقجي، فإن مدرسة "الحرب والفكر" للحاج قاسم سليماني شكلت عاملاً مهماً لظهور أساس نظري ثابت في السياسة الخارجية الإيرانية تحت عنوان الدبلوماسية القائمة على المقاومة أو ما بات يعرف بـ"القوة الدلالية".

ويشمل ذلك القدرة على جذب الآخرين وإقناعهم، والقدرة على خلق وتغيير ونشر المعايير المرغوبة، وكذلك القدرة على تشكيل الأولويات والتوقعات والأهداف والاهتمامات، وعلى خلق وتشكيل المعتقدات والهياكل الفكرية العامة، وبمعنى آخر؛ مواءمة الأهداف مع أهداف الآخرين.

إن تلك المواءمة ستجعل من القوة الوطنية إذا ما أضيفت إلى القوة الإقليمية أو إلى قوة عالمية، ستجعل منها أساساً لخلق فاعل إقليمي يتمتع بالقدرة على المستوى الإقليمي ويكون أساساً لدبلوماسية إقليمية ناجحة، وكذلك الامر بالنسبة لخلق فاعل عالمي يتمتع بالقدرة والقوة إلى المستوى الذي يجعل الدبلوماسية تتقدم لتحقيق الأهداف الناتجة عنه.

وبالتالي، فإن أي عمل دبلوماسي سواء كان تفاوضاً أو تشاوراً أو سياسة خارجية يقوم على مقومات القوة الوطنية يحتاج إلى فاعل إقليمي وفاعل عالمي حتى تتقدم خياراته السياسية في المنطقة والعالم .

إن بناء الفواعل الإقليمية والعالمية والقائم على القوة الدلالية يحتاج إلى خلق الخطاب الموائم مع الإقليم والعالم والذي يتماشى مع الأهداف المرجوة بشكل أسرع ليتحول هذا الخطاب المنشود إلى المستوى العابر للحدود الوطنية.

ولذلك كان خطاب الثورة الإسلامية، وخطاب المقاومة، من أهم خطابات الجمهورية الإسلامية على المستوى الوطني والمستوى الإقليمي وخارج الإقليم، وهذا بالضبط ما عمل عليه وأسس له الحاج قاسم سليماني بحكمته وشجاعته اللتين غزتا الميادين ومهدتا الطريق لدبلوماسية المقاومة.

إن الدلائل على نجاح هذا النهج الفكري و الميداني و السياسي كثيرة جداً، وتشهد عليها الانتصارات التي حققتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجبهة المقاومة في ميادين وطنية وإقليمية وعالمية، في فلسطين والعراق، وفي سورية واليمن ولبنان، وفي مواجهة الحصار والعقوبات، وفي الملف النووي، وفي العلاقات مع أوروبا، وإدارة الصراع مع الولايات المتحدة، وفي الانفتاح على دول الجوار، وفي التشبيك مع الصين وروسيا والهند، وصولاً إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية.

وفي كل تلك المواقع والميادين شاهدنا الحاج قاسم سليماني، مرة يوزع المساعدات والغذاء والدواء، ومرة يحمل البندقية، وتارة يزور الجرحى، وأخرى يبلسم بخطابه الإنساني الجروح، وأخرى يحفز ويشحذ الهمم، في صلاح الدين والأنبار، وفي دير الزور وحلب، وفي لبنان مع المقاومين وفي غيرها من الميادين.

لم يكن الحاج قاسم سليماني بطلاً وقائدًا في الميادين ضد الأعداء فقط، بل كان بطلاً من أجل السلام، لقد كان بارعاً في الدبلوماسية ويمتلك قدرة كبيرة على المحاورة والإقناع، وذلك بقدر براعته في الميدان والحرب، وقيل فيه، إنه مهندس السياسة الإقليمية الإيرانية، ولذلك كنا نراه أيضاً في زيارات لقادة ومسؤولين إقليميين ودوليين، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وفي لقاءات مع قادة جبهة المقاومة، وفي وساطات بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان.

إن النجاح في خلق وامتلاك "القوة الدلالية"، يعني حكماً امتلاك الأرضية اللازمة لخلق بيئة مقاومة وطنية وإقليمية وخارج الإقليم، وهو ما يعني بالضرورة امتلاك الأدوات الدبلوماسية لتحقيق الأهداف المرجوة على الصعد المحلية والإقليمية والعالمية، وهذا الثالوث هو بالضبط ما عمل عليه الحاج قاسم سليماني، وهو بالتحديد ما قصده الوزير عراقجي عندما أطلق مصطلح "دبلوماسية المقاومة" .

لا بد من الإشارة أيضاً إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن النجاح في تطبيق "دبلوماسية المقاومة" وفقاً لثالوث القوة الذي ذكرناه يمثل في حد ذاته قوة ردع هائلة ودرع وقاية لجبهة المقاومة بكل مكوناته، و هو ما يعني حكماً وبالنتيجة، أن هذه الجبهة في طريقها للتحول إلى تكتل مؤثر ومقرر على الصعيد العالمي وخاصة في ظل ما يشهده العالم من تحول نحو عالم جديد متعدد القطبية سيكون لجبهة المقاومة شرف الفوز بأحد أقطابه.

وخير ما نختم به؛ هو ما قاله الوزير "عباس عراقجي" في يناير/كانون الثاني الفائت في ذكرى استشهاد الحاج قاسم سليماني، حيث قال: "كل ما قيل عن قاسم سليماني لا يكفي .. كانت شخصية قاسم سليماني عزيزة جداً . كان يتمتع بصفات سلوكية مميزة جداً، لكن الأهم من شخصيته هي مدرسته "مدرسة الشهيد قاسم سليماني".

07-أيلول-2024
استبيان