المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


محطات - مقاومة واحتلال

في ذكرى الاجتياح الصهيوني في العام 1982



موسى علي موسى (موقع الانتقاد)
ثمة من يحاول تغيير وجه بيروت المقاوم المتألق العريق أو ربما ينقلب على هويتها الى حد التشويه، فبيروت اليوم غير تلك التي عرفناها في العام 1982، بيروت مقهى الويمبي في الحمرا أصبحت بفضل البعض اليوم مرتعا يرتاده الاسرائيلي في كل حين بستائر وعناوين مختلفة. بيروت التي قاومت الاجتياح الاسرائيلي في مثل هذه الأيام من عام 1982 في المتحف وعائشة بكار والرملة البيضاء وخلدة وفي كل شارع يراد لها اليوم أن تمحو ذاكرتها وأن تستسلم للمشاريع الغربية الصهيونية المعدة والمطبوخة سلفا في أروقة دوائر الاستخبارات العالمية، يراد لها أن تغدو على غير حقيقتها، وأن تنتحل هوية غير هويتها، فبدلا من أن تكون رقما صعبا في المعادلات الكبرى ( اذا ضربتم عاصمتنا سنضرب عاصمتكم) تصبح مجرد ممر يتسلل منه العدو الاسرائيلي الى لبنان من نافذة التطبيع غير المباشر (فني، ثقافي، اعلامي، اقتصادي...) تمهيدا لعملية الاستسلام الكبرى المتوخاة في اطار مشاريع التسوية المشبوهة المرسومة للمنطقة.
بيروت الأمس وحدها من بإمكانها أن تحكي عن مراحل صمودها ومقاومتها... فحجارة أبنيتها لا تزال تصدح بقصص أبطالها الذين انتفضوا بوجه المحتل رفضا لتدنيس مدينتهم... أما بيروت اليوم فلا تشبه نفسها أبدا، ربما تشبه الى حد ما بعض عواصم عرب الاعتدال الذين استسلموا وهرولوا واضعين كل أوراقهم عند أسيادهم الأميركيين والاسرائيليين بعدما تناسوا قضيتهم الأم فلسطين...
واذا كنا حينما نستذكر بيروت لا بد أن نتذكر معها كيف أنها حطمت دبابات العدو الصهيوني على أعتابها، فان الحسرة والغصة تبقى في قلوبنا.. فمدينتا اليوم غير التي نحلم، مدينتنا ذات القلب الكبير، المتنوعة، التي يجب أن يشبهها باقي الوطن لأنها العاصمة، يدخلها البعض في متاريس السياسة وزواريبها الضيقة، ويستجلب الطائفية والمذهبية والمناطقية اليها ويضعها دفعة واحدة بوجه المقاومة عند كل مفصل سياسي خدمة لمآرب دنيئة.
بيروت الشاهدة على همجية العدو في مخيمات صبرا وشاتيلا والتي كانت وما زالت تخرّج المقاومين الأشداء.. يخطفها البعض اليوم لتكريم المتآمرين من داعمي الكيان الغاصب أمثال رئيس البنك الدولي السابق جيمس ولفينسون وسفير الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة جون بولتون وغيرهما.. فيما بيروت مدينتنا لا يليق بها ولا يشرّفها، بل من العار عليها أن يكرّم هؤلاء على أرضها، وترابها مجبول بدماء وعطاءات الشهداء من أهلها أمثال خالد علوان ورفاقه الأبرار من المجاهدين الذين لا يوفّيهم حقهم أيّما تكريم..
فبيروت طريق الترامواي وبحر الروشة ومرفأ المريسة، وأحياء سرسق وشارع بلس وساحة الشهداء ورياض الصلح والمصيطبة والطريق الجديدة وطريق النهر والنبعة وبرج حمود والأشرفية وكل الضواحي.. بيروت لم يكن ولن يكون يوما أهلها الا في وجه العدو، رغم كل التصريحات التي تحاول أن تحرف وجهتها كأن يسعى أحد نوابها (سامي الجميّل) "نحو سلام مع اسرائيل"، أو أن يلتقي ابن عمه (نديم الجميل) دون خجل أو وجل مع حفيدة رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق اسحاق رابين في حفل عام وعلني في لندن.
ما نعرفه عن بيروت ونحن لسنا من الجيل الذي عايش اجتياح 1982، أن عاصمتنا هي ذاكرة التراث العربي الأصيل والصحافة العريقة، والمناصرة الأولى للقضايا العربية والقومية، وأنها لا تسمح بأن تمحى فلسطين في أسواقها، أو أن تلامس جدران معارضها صور المصور الفوتوغرافي الاسرائيلي "آميت شعال" في وسط بيروت.. ما نعرفه أنها تأبى وترفض أن تستغل أسماء كبارها ممن كتبوا في أعمدة صحفها يوما وكانوا من مؤيدي القضية الفلسطينية وذوي المواقف الواضحة ضد الاحتلال الاسرائيلي لاستحداث جوائز يعتلي الاسرائيليون منابرها للتكريم، ففي ذلك قتل معنوي لأولئك أشد فتكا من التصفية الجسدية، وهو ما يحصل اليوم بعدما سمح للصحفيين الاسرائيليين بالمشاركة في "جائزة سمير قصير لحرية الصحافة لعام 2011 والتي أطلقت في الأول من شباط الماضي".
واذا كانت بيروت ازدانت منذ القدم بالحرية ولا سيما حرية الاعلام التي وجد فيها بعض العرب منفذا نحو الفضاء الشاسع لم يجدوه في بلدانهم، الا أنه لا مكان تحت سقف الحرية فيها للاعلام الاسرائيلي الذي يتسلل اليها بجوازات سفر غربية، كما حدث حينما نقلت مراسلة القناة الاسرائيلية العاشرة خبرا مصورا عن مشاهداتها في بيروت ‏للمحطة من احدى الشقق في منطقة المنارة، وقالت من بيروت إنها تقف وخلفها ‏المرفأ الذي قصفته القوات الاسرائيلية في حرب تموز 2006.‏
بيروت عاصمة الحرف ومنهل العلم والأدب والفكر لا مقاعد في جامعاتها لطلاب اسرائيليين ولا يليق بها ما حصل في جامعة الحكمة بتاريخ 20 نيسان 2010 يوم أعلنت احدى الطالبات المشاركة في مؤتمر حول "وضع المياه في الشرق الأوسط"، "أنها اسرائيلية" ودخلت لبنان بجواز سفر يوناني للمشاركة في البرنامج الأكاديمي للجامعة المذكورة، وبقيت أسبوعاً كاملا تتجوّل بين بيت الدين ودير القمر وجعيتا، والجميزة بلا حسيب أو رقيب..
بيروت المطار الذي دمر العدو الاسرائيلي مدرجاته وطائراته وحاصره في أكثر من عدوان وآخرها حرب تموز 2006، كيف به يستضيف على مدرجاته طائرات اسرائيلية الصنع كما حصل مع طائرة Gulfstream G200″ التي تصنّعها شركة الصناعات الجوية الاسرائيلية (IAI)، والتي هبطت مؤخرا على الأراضي اللبنانية.
كل ذلك مؤسف ومعيب بحق عاصمتنا فعلا.. لكن يبقى الأشد أسفا أن تاريخ بيروت المقاوم والعروبي لم يسلم حتى من تشويه المتقلبين والمزايدين فهم سعوا لتزييفه ومحو ذاكرته أيضا، عبر توزيع فيلم اسرائيلي بعنوان "Lebanon" أو "لبنان" (انتاج فرنسي ـ اسرائيلي مشترك، بمشاركة قنوات "آرتي وكانال" ـ عام 2009) للمخرج الصهيوني "صموئيل ماعوز" يعرض أحداث اليوم الأوّل من عملية اجتياح لبنان في العام 1982، ويصوّره من وجهة نظر مجموعة من الجنود الاسرائيليين ومن ضمنهم المخرج نفسه الذي كان حينذاك جندياً في جيش العدو. فيما يحاول الفيلم تبرئة العدو وغسل يديه من الفظاعات التي ارتكبتها قواته بحق اللبنانيين.
كل ذلك يحصل في مدينتنا اليوم.. وذلك بفضل بعض المتأمركين ممن يصمون آذاننا بادعاء الغيرة على بيروت وأهلها.. ممن ينسبون لأنفسهم شرف وعزة ليست لهم فيدعون أنهم المقاومة الحقيقية وأنهم حاربوا "اسرائيل" وأخرجوها من بيروت ويتاجرون بالمحطات المشرفة في سجلها فيما الحقيقة الجلية ـ والتاريخ والجغرافيا ينصفهم اذا تكلم ـ أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة بوجه العدو حتى إن آذانهم لم تختبر أزيز الرصاص، وهم يتعمدون الخلط بين الصديق والعدو، وكل ما يريدونه لعاصمتنا أن تكون على شاكلة نموذج "ثكنة مرجعيون خلال حرب تموز 2006"، حينما حل جنود العدو ضيوفا على طاولة أحمد فتفت لاحتساء فنجان من القهوة أو الشاي.
مقابل هؤلاء.. يصر البعض على أن بيروت تبقى بيروت المقاومة، يتهادى فيها صوت المؤذن الصادح من مآذن مساجدها الأثرية مع أجراس الكنائس.. ويؤكدون أن بيروت تبقى ملهمة كتبة القصائد وثوار العالم العربي، والأناشيد الوطنية، وإن حاول البعض استبدالها بجاد المالح المغربي اليهودي المعروف بمناصرته لجيش الاحتلال الاسرائيلي.. وما بين هذا وذاك وبين اليوم والأمس ما الذي يقوله أهل بيروت في عاصمتهم؟؟.
بيروت تحكي بلسان أهلها
أهل بيروت اليوم يصرون على أن وجه مدينتهم كان وما زال عروبيا مقاوما، وأنه اذا ما كانت قد مرت فترة عليهم أخذوا فيها الى غير هدى، فهذا لا يعني بأنهم غيّروا ملابسهم. فهم يؤكدون أن بيروت وأهلها هم أول من قاوم الاسرائيلي، حينما حاول دخول العاصمة وأجبروه على التراجع ففر هاربا ينادي بمكبرات الصوت "نحن ذاهبون لا تطلقوا النار علينا". ويشدد أهل العاصمة على أن ما طرأ على بيروت لا يلغي هويتها اطلاقا، فروح الوطنية ما زالت موجودة عند أهلها وستظل كذلك. وهم لا يخفون انتقادهم هنا لما قاله الرئيس فؤاد السنيورة يوما من أن أهم انجاز حققه وفريقه هو "لبننة الطائفة السنية في لبنان وأهل بيروت بالذات"، بما يعنيه ذلك من أنه جرى سحبهم من عروبتهم ومن قوميتهم حتى أصبحوا يهتمون فقط بلبنان، وهم يردون على ذلك بالاصرار على التمسك والتشبث بالقضايا العربية والقومية ودعم المقاومة.
ويؤكد أهل بيروت اليوم أنه مهما حاول أو جرّب البعض تغيير وجه بيروت فان مدينتهم لن تخرج من وطنيتها وعروبيتها وقوميتها.. فـ"مهما جرّبوا أو حاولوا أن يدخلوا أهلها في نفق الطائفية والمذهبية فلن يفلحوا بذلك. فأهل بيروت محصّنون وهم لن ينجروا الى الكلام المعسول بأن أهل السنة حقوقهم منقوصة وهذا الكلام الفارغ".
ويشدد أهل بيروت على أن البوصلة الأساسية لهم ستبقى في وجه العدو، فـ"أي شيء يحصل في هذه المدينة من قبل أعداء لبنان الصهاينة ستجد أهل بيروت أول من يلبي نداء المقاومة".
ولا يتوانى أهل بيروت عن التذكير بتاريخ المدينة المقاوم العريق، فدائما كانت بيروت التظاهرة والموقف والاضراب والتصدي، كانت أول العواصم التي انتفضت عام 1948 ضد انشاء الكيان الغاصب، وأول من تصدت للعدوان عام 1956 أيام عبد الناصر، وهي واكبت وتواكب كل قضايا العرب، كانت مع ثورة الجزائر وثورة اليمن ومع القضية الفلسطينية، وحتى على المستوى العالمي كانت بيروت تنبض بدعمها للثورات والانتفاضات، كانت مع الشعب الفيتنامي ضد الولايات المتحدة الأميركية وكانت مع شعوب أميركا اللاتينية وكانت حريصة على دعم كل القضايا الوطنية والقومية.
واذ يؤكد أهل بيروت أن عاصمتهم لم تفقد هويتها يوما فبقيت عربية مقاتلة مواجهة، يعتبرون أن المؤامرة وجدت الآن لتغيير تلك الهوية والدور والموقع من خلال مجموعة تحاول إلقاء القبض على قرارها وتبديل هويتها وربطها بمشاريع واشنطن و"اسرائيل" وما يسمى اليوم بدول الاعتدال العربي، فضلا عن محاولات ضرب روح المقاومة فيها. لكنهم رغم ذلك وفي ظل صراع بين منطقين وثقافتين يصرون على أنهم أبناء ثقافة تتمسك بالعروبة ودور بيروت الوطني والقومي.
أهل بيروت يقلبون صفحات عاصمتهم المقاومة
وهنا يستذكر أهل العاصمة اجتياح العام 1982، عندما حاصرت قوات الاحتلال الاسرائيلي بيروت واستمر الحصار لأكثر من مئة يوم فيما بقيت بيروت تقاتل وتقاوم وتتعرض للغارات اليومية ولم ترفع الراية البيضاء حتى اضطر العدو أن يطلب وقف اطلاق النار حينما انتفضت العاصمة وبدأت المقاومة في كورنيش المزرعة وشارع سليم سلام والحمرا، حيث حصلت عملية الويمبي وعمليات كثيرة تبعتها ما دفع بالاحتلال الى أن يغادر العاصمة خلال أقل من 72 ساعة على دخوله بالرغم من كل قصفه واعتداءاته وبالرغم من مجزرة صبرا وشاتيلا ومن كل شيء. واذ يعتبر أهل بيروت ان مدينتهم كانت قوية بصمودها وبمواجهتها ولم تسقط وبقيت عاصمة للمقاومة اللبنانية والعربية، يلفتون الى ان المؤامرة عادت حينذاك مجددا بكل تشعباتها فسعت لضرب هذه الروح من بوابة اتفاق 17 ايار، لكن بيروت انتفضت عليه انتفاضة أولى في آب 1983 وانتفاضة ثانية في 6 شباط، وحينها تبدلت المقاييس وعادت بيروت لترتبط مع الجبل ومع سوريا من أجل اسقاط 17 أيار، وبالفعل فان هذا ما حصل.. ويخلص أهل العاصمة الى أن بيروت أسقطت كل المؤامرات عليها بما في ذلك التقسيم ودعوات الانعزال، وان كل محاولات تغيير هويتها لم تنجح، رغم أن توسع اطار المؤامرة برأيهم أخذ اليوم أبعادا مختلفة من خلال محاولة استغلال الغرائز الدينية والمذهبية من أجل الالتفاف على المقاومة وضرب دور بيروت الوطني والقومي، وهو ما نشهده من خلال هذا التشويه والاسترخاء أحيانا بالوضع الأمني ما يتيح للاسرائيليين أن يدخلوا الى بيروت كما حصل مع الصحافية الاسرائيلية ومع بعض البعثات الأخرى. وكما نسمع عن تكريم الصهيوني وولفينسون في الجامعة الأميركية، وهو ما يذكرنا بذهاب فريق من تيار معين في عز حرب تموز 2006 لتكريم جون بولتون الذي كان يبشرنا بأن دماءنا ستسقط وأننا سوف نُزال عن الخارطة.
أهل بيروت يصرون اليوم على أن مدينتهم ستحافظ على هويتها وأن أبناءها يحرصون على أن تظل هويتها مقاومة رغم كل محاولات أجهزة المخابرات العالمية والعربية والمال والميديا، وبالرغم من كل شيء هم مؤمنون بأن بيروت ستحافظ على هويتها وسوف تنتصر وستظل عاصمة لـ"لا" العربية، ويصفون ما يجري الآن في لبنان وسوريا وفي معظم المنطقة بأنه محاولة لانتصار ثقافة على ثقافة أخرى، ثقافة إبعاد العروبة وإسقاطها، وثقافة من يتمسك بهذه العروبة، مؤكدين أن بيروت بكل أبنائها وطاقاتها وهيئاتها وجمعياتها وبكل المناضلن فيها تمتلك كل عناصر القوة لمواجهة هذه المرحلة رغم قساوتها.
اهل بيروت اليوم يقلبون صفحات عاصمتهم المقاومة، مؤكدين أنه لو كرر التاريخ نفسه وعادت عقارب الساعة الى الوراء الى العام 1982، فانهم سينتفضون ويحملون السلاح للدفاع عن مدينتهم رغم محاولة البعض تشويه هذه الصورة، ورغم ربط بيروت ببعض الجزارين ممن كانوا مع الاسرائيلي يحاصرونها ويقتلون أبناءها عند الحواجز أعوام 82 -83 -84 ويقصفونها... فعند الحقيقة سوف يعود أبناء بيروت ليلتحقوا بالخندق الذي يجب أن يكونوا فيه... هو خندق المقاومة في مواجهة الاسرائيلي ومن معه.
18-حزيران-2011

تعليقات الزوار

استبيان